عن عبد الكريم غلاب
عبد الكريم غلاب .. الأديب والانسان ، 2011
شهادات ودراسات للكتاب والنقاد
إعداد عبد الرحيم العلام
مؤسسة منتدى أصيلة ، أصيلة
بقلم محمد نجيم :
أصدرت مؤسسة منتدى أصيلة، كتابا جديدا يؤرخ للمسيرة الإبداعية للكاتب والروائي المغربي المعروف عبد الكريم غلاب، تحت عنوان “عبد الكريم غلاب: الأديب والإنسان”. ويضم الكتاب شهادات ودراسات لنخبة من الكتاب والنقاد المغاربة وهم: محمد العربي المساري، أحمد المديني، محمد بوخزار، علي القاسمي، مبارك ربيع، عبد العالي بوطيب، حسن بحرواي، محمد غز الدين التازي، مصطفى يعلى، أنور المرتجي، هشام العلوي، رشيد بنحدّو، الحبيب الدائم ربي، محمد المسعودي، حسن المودن، محمد أقضاض، ابراهيم أولحيان، عبد اللطيف محفوظ، عبد الرحيم العلام، محمد يحيى قاسمي. والكتاب من إعداد الناقد المغربي عبد الرحيم العلام.
واعتبر محمد بنعيسى في توطئة الكتاب أن لاحتفاء مؤسسة “منتدى أصيلة في موسمها الثقافي الدولي الثالث والثلاثين، بالأستاذ عبد الكريم غلاب، أكثر من معنى ورمزية. لقد دأبت أصيلة، على الاحتفاء برموز الثقافة والفكر والأدب والفن. من المغرب وخارجه، لكن الاحتفاء في هذه الدورة بالأستاذ غلاب، له نكهة وطعم خاص، لاعتبارات عديدة ومتضافرة فيما بينها. ومع ذلك، فالمتمعن في الموقع المرموق الذي تحتله شخصية عبد الكريم غلاب، وطنيا ونضاليا وسياسيا وفكريا وأدبيا وإعلاميا، لابد وان يثيره، منذ الوهلة الأولى، تعدد شخصية الرجل وتنوع حضوره وعطائه، بما يكسب شخصيته الفذة أبعادا إنسانية وريادية مؤثرة، في عديد المجالات والميادين التي انخرط فيها المحتفى به.
كل ذلك، إذن، يجعلنا أمام علم ومفكر وأديب ورجل إعلام. ويقول بنعيسى “ويكفي، أن نتأمل التجربة الوطنية والنضالية والسياسية المديدة للرجل، وكذا مشروعه الفكري والنقدي والأدبي والصحفي، وغزارة إنتاجه في مختلف مجالات التعبير والرأي التي كتب فيها غلاب وأبدع، لكي نلمس عن كثب مدى شموخ هذا العلم، ومدى قيمة إنتاجه الثقافي عموما”.
ويتضمن هذا الكتاب، شهادات عن شخصية الأستاذ عبد الكريم غلاب، في تلويناتها وأبعادها الإنسانية والفكرية، فضلا عن دراسات وقراءات وتحاليل في مجمل إنتاجه الأدبي والنقدي، إبرازا للدور الكبير الذي قام به الأستاذ غلاب، باعتباره كاتبا وأديبا ملتزما بقضايا أمته ومجتمعه، في التأسيس لأدب مغربي حديث، وفي إثراء المشهد الأدبي المغربي والعربي بكتابات منتظمة في أجناس أدبية: الرواية والسيرة الذاتية والمذكرات والقصة القصيرة والرحلة والنقد...
وقد تم تزيين صفحات هذا الكتاب بصور من شريط ذكريات المحتفى به، في توهجها، وفي كشفها عن مدى ما يتميز به الراحل من وضع اعتباري لافت، في أبعاده الوطنية والنضالية والسياسية والمهنية والإبداعية”.
وفي شهادة الأستاذ محمد العربي المساري، الذي يعد من أحد أصدقاء الأستاذ عبد الكريم غلاب، قال المساري في مقالته الافتتاحية، إن عبد الكريم غلاب ولد “سنة 1919 بمدينة فاس، ثم التحق بالقاهرة حيث حصل على الإجازة في الأدب العربي من جامعتها. ويمكن رصد مسار حياته عبر ثلاث فترات هي فترة التكوين في فاس والقاهرة، وثانيا فترة النضال السياسي بعد 1948، وثالثا غلاب الأديب في فترة الانفجار التعبيري عبر القصة والرواية. وبهذه الفترة يبدأ فصل في حياة غلاب له بداية علمت ما بعدها”.
ويضيف المساري، متحدثا عن الأستاذ غلاب “في فترة التحصيل بكل من فاس والقاهرة، كان الفتى عبد الكريم يعد نفسه للحياة، بالتزود من المعارف المتاحة، حيث اجتاز مسارا لم يكن له فيه اختيار سوى أن “قوة الدفع كانت أقوى من قوة الارتداد إلى وراء”، كما يقول عن فترة وجوده في القاهرة، وهو مندمج في المجتمع المصري الشاب في الجامعة والمكتبة والشارع. وكدأب خلانه من أفراد جيله، كان يمزج التحصيل بنشاط أدبي جمعوي يملأ به وقته الثالث، فيقارع القلم، ويغشى المنتديات، معبرا عن رغبة مبكرة في أن يسجل اسمه ضمن فئة تمتزج عندها “الأوقات الثلاثة” جميعا. حدثني انه وهو تلميذ في القرويين، سمع بمبادرة في تطوان لإحياء الذكرى الألفية لأبي الطيب المتنبي، الذي كان قد دعا إليها الأستاذ الطريس، فكتب مقالا لمجلة “المغرب الجديد” التي كان يصدرها المكي الناصري في عاصمة الشمال، حيث تناهى إلى علمه أن المجلة التطوانية كانت بصدد إصدار عدد خاص بالمناسبة. وقد يكون هذا أول مقال دبجه، ولكنه وصل بعد إقفال العدد فلم ينشر. وفي فترة القاهرة لم يكن يصرفه التحصيل العلمي عن الكتابة والقراءة والاشتغال بالشأن العام.
في القرويين كان يتنفس السياسة، والحركة ما زالت بعد في طور التأسيس، تحثها على السير إلى الأمام مبادرات شاعر الشباب علال الفاسي. ويؤدي غلاب ضريبة انجرافه وراء التيار المؤسس للحركة، فيرتاد السجن لأول مرة، وفي حقبة التحصيل في القاهرة (من 1937 إلى 1948) يملأ رئتيه هواء السياسة ممزوجا بالثقافة، على إيقاع حركات طه حسين الخارج من معركة هي من العلامات الأولى في مسار الموجة الليبرالية العربية، وكذلك على إيقاع الصراع بين الوفد وخصومه، والسجالات التي كانت تملأ صفحات مجلة “الرسالة” التي كان يصدرها الزيات، والبرلمان والشارع والمحاكم.
وهنا ينفتح وعي الشاب غلاب على ما كان يعتمل في عاصمة جعلتها الظروف قائدة التنوير في المنطقة كلها. وفي ذلك الخضم، يختار غلاب أن يقوم بدور سياسي فنجده عضوا في “رابطة الدفاع عن مراكش”، ومشاركا في إعداد عريضة الشباب المغربي في القاهرة للمطالبة بالاستقلال، في نفس الوقت الذي أعدت فيه وثيقة 11 يناير 1944 المعروفة، وبذلك صنف نفسه ضمن المعسكر الذي ركب أهوال معركة كان مرسوما لها أن تطول. وتطابقت انشغالات الطلاب المغاربة المهاجرين مع الأصداء التي كانت تصل من الوطن.
بعد 1948 تابع غلاب وهو في الرباط المسار الذي ارتسم لديه بوضوح، حيث أدرك أن استقلال المغرب هو القضية، وأن هذا الاستقلال لن يكون إلا ضمن مشروع متكامل يستحضر وحدة النضال في أقطار المغرب العربي، وهذا هو العلم الذي حمله من القاهرة حيث كان قد تم اختياره أمينا عاما ل “مكتب المغرب العربي” حينما انعقد المؤتمر التأسيسي في فبراير 1947. وهكذا ما أن عاد إلى المغرب حتى ارتسم في ذهنه بوضوح أن مكانه هو طليعة النضال من أجل الاستقلال، بهوية مغاربية، وافق عربي.
تقوت عنده هذه الهواجس، وهو يصنع لنفسه مكانا بين العاملين في سبيل القضية الوطنية العامة. واختار بالذات أن يكون موقعه هو الواجهة الثقافية التي أنشأها الحزب، فكتب في “العلم”، ثم تولى رئاسة تحرير مجلة “الرسالة” المغربية. وفي هذه الفترة ارتسم مسار غلاب في ثلاثية هي الصحافة والسياسة والأدب.
وهكذا نجده في غمرة مهام المرحلة، ضمن رديف للجنة السرية البديلة للجنة التنفيذية للحزب بعد القمع الذي كان في سنة 1952، وخالجه في تلك الفترة مشروع كتاب “الأوضاع الاجتماعية في المغرب” الذي كتبه سنة 1954 ولكنه لم يطبع.
وفي نفس الاتجاه تابع غلاب طريقه، بعد 1956 مازجا بين السياسة والصحافة. مناوبا بين هذه وتلك. دخل دواليب التسيير الإداري والسياسي وزيرا مفوضا في الخارجية لدى تأسيسها وذلك لفترة قصيرة عاد بعدها إلى التحرير في “العلم”. وظل الحس الأدبي يمارس قوة جذب ملحة، مثلما كان شأن عبد المجيد بن جلون وعبد الكريم بن ثابت. وانساق غلاب في أمواج الصحافة والسياسة، تصنع جدول أعماله متطلبات الحضور في مهام ما بعد الاستقلال، ماضيا في مسيرته على إيقاع مسيرة الحزب الذي انتمى إليه، فيكتب في السياسة: الاستقلالية عقيدة ومذهب وبرنامج، ثم الإصلاح القروي”.
أما محمد أقضاض، فاعتبر أن عبد الكريم غلاب من “الكتاب المغاربة الأكثر إنتاجا والأكثر تنوعا في هذا الإنتاج، فقد كتب في التشريع وفي التاريخ وفي الفكر وفي الأدب والنقد، وفي السرد من رواية وسيرة ذاتية وقصة قصيرة”.
------------------------------------------